الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • "عرائس داعش وأشبال الخلافة" لإحياء التنظيم مجدداً في سوريا والعراق

الإرهاب في العراق \ تعبيرية

بدأت العديد من دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا خلال الأشهر القليلة الماضية بإعادة توجيه بوصلتها الأمنية نحو إفريقيا ووسط آسيا، بهدف مراقبة التهديدات المتزايدة لأفرع تنظيم "داعش" في تلك المناطق. في وقت تشير فيه العديد من التقارير الاستخبارية والحوادث المتزايدة في العراق وسوريا، إلى تداعيات خطيرة ومثيرة للقلق بشأن الموطن الأساسي للجماعة الإرهابية في هاتين المنطقتين.

مع خسارة التنظيم في مارس/آذار 2019 منطقة "باغوز"، آخر معاقل "خلافته" التي أعلنها، تم اعتقال الآلاف من أعضائه الباقين على قيد الحياة واحتجزوا في مخيمات، يعدّها العديد بأنها عمل غير مكتمل ويحمل في طياته خطراً لتطور مشكلة أمنية متجددة للعالم.

تُقدر أعداد "الجهاديين" الأجانب الذين قدموا إلى سوريا للانضمام إلى التنظيم بين عامي 2014 و2019 بحوالي 40 ألف جهادي. وتتراوح التقديرات عن أعداد الذين نجوا، وبعضهم في السجن والبعض الآخر في حالة فِرَار، بين 10 آلاف و20 ألف مقاتل. معظمهم يقبعون في معسكرات تعهدت القيادة الهاربة في تنظيم الدولة الإسلامية بتحريرها، بما في ذلك النساء، اللائي يطلق عليهن "النساء الطاهرات" و"عرائس الخلافة".

فيما حذرت العديد من التقارير الاستخبارية والدراسات البحثية، من أن مقاتلي التنظيم الهاربين يعيدون تجميع صفوفهم في أجزاء أخرى من العالم، وأن هناك الآن خطراً من إعادة تجمع التنظيم.

مؤشرات خطيرة لعودة "داعش" إلى سوريا

يبدو أن تنظيم "داعش" كان قادراً على استعادة نشاطه في سوريا، بعد فترة من التعافي، وقالت وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية أن نشاط التنظيم في سوريا بدأ في الانتعاش منذ شهر سبتمبر/ أيلول الفائت، مع تزايد عدد الهجمات في البادية السورية ضد قوات النظام.

وأضافت الوكالة، إن الأهداف الأخرى شملت البنية التحتية للوقود وطرق الإمداد وحتى الميليشيات المدعومة من إيران. فيما أكدوا على أن هناك أدلة على قيام التنظيم بنقل بعض المقاتلين من الصحراء الوسطى إلى شمال شرق سوريا.

داعش

إلهام أحمد، الرئيس التنفيذي لمجلس سوريا الديمقراطية، لفتت أنظار الإدارة الأمريكية خلال زيارة لواشنطن أن "داعش" لا يقتصر على الوجود العسكري فقط. وأضافت بأن "الأهم هو التأثير الفكري والأيديولوجي لداعش على الناس"، محذرةً من أن التنظيم أنشأ خلايا في مدن رئيسية مثل الرقة ودير الزور.

اقرأ أيضاً: مقتل وإصابة 5 عناصر من قوات النظام بهجوم لـ“داعش” في الرقة

وجد التنظيم أرضاً خصبة للتجنيد في مخيمات النازحين مثل الهول، الذي يضم ما يقرب من 60 ألف امرأة وطفل، والعديد منهم مرتبطون بمقاتلي داعش القتلى أو الأسرى. كما  تحذر المخابرات العسكرية الأمريكية، من أن التنظيم "يحتفظ بالقدرة على التطرف والتخويف والتجنيد والقيام بهجمات".

كذلك، يحذر مسؤولو وزارة الخزانة الأمريكية من أن مخيم الهول ما يزال مركزاً رئيسياً لتمويل داعش، حيث يتلقى ويوزع التبرعات من أنصار الجماعة الإرهابية  في جميع أنحاء العالم. 

فيما قدّر المرصد السوري لحقوق الإنسان، حصيلة الخسائر البشرية خلال الفترة الممتدة من 24 مارس/آذار 2019، 1610 قتيلاً من قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية. بالإضافة لـ158 من المليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية، قتلوا جميعاً خلال هجمات وتفجيرات وكمائن لتنظيم "داعش" في غرب الفرات وبادية دير الزور والرقة وحمص والسويداء وحماة وحلب. كما وثّق المرصد مقتل 1096 من تنظيم "داعش"، خلال الفترة ذاتها خلال الهجمات والقصف والاستهدافات.

العراق.. "داعش" يستغل الانقسام وضعف التنسيق 

منذ إعلان الحكومة العراقية، في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول 2017، القضاء على تنظيم "داعش" بخسارته آخر مناطق سيطرته في العراق. وبعد أربع سنوات على هزيمته، ما يزال التنظيم ينشط في مناطق مختلفة من العراق، مستغلاً ضعف التنسيق الأمني والانقسامات الداخلية. 

ويجاهد التنظيم بشراسة لإعادة أمجاده في العراق، من خلال تحركات ولو بنسبٍ متفاوتة في محافظات كركوك التي تشهد النشاط الأكبر للتنظيم، وصلاح الدين ونينوى وديالى، وفي مناطق حزام بغداد الشمالي. بالإضافة لمعظم المناطق المُتنازع عليها بين حكومتي بغداد وأربيل مستغلاً الفراغ الأمني هناك.

العراق.. داعش/ أرشيفية

وفي يناير الماضي، أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن هجوم فجّر فيه انتحاريان نفسيهما، ما أسفر عن مقتل 32 شخصاً على الأقل في سوق مكتظة بساحة الطيران وسط بغداد، في تفجير انتحاري هو الأول الذي يشهده العراق منذ ثلاث سنوات.

اقرأ أيضاً: "داعش" يتصدر الواجهة مجدداً مع ضبابية المشهد العراقي

زاد تنظيم داعش من وتيرة نشاطاته خلال الفترة الأخيرة، وتصاعدت حدة الهجمات التي ينفذها التنظيم في وسط البلاد وشمالها، وأحيانا في قلب العاصمة بغداد. أعنف هذه الهجمات وقعت في قضاء مخمور، جنوبي أربيل، وأسفرت عن مقتل 13 شخصاً على الأقل، هم ثلاثة قرويين وعشرة جنود من قوات البيشمركة. 

وتشمل المناطق الهشة أمنياً سلسلة من المدن والقرى في المناطق المُتنازع عليها ضمن الرقعة الجغرافية المحصورة بين الحدود السورية شمال غربي نينوى مروراً بمحافظتي كركوك وصلاح الدين إلى الحدود الإيرانية شمال شرقي محافظة ديالى. 

حيث ويستغل تنظيم "داعش"، التضاريس الوعرة لسلسلة تلال حمرين التي تمتد من شمال ديالى وحتى جنوبي الموصل، فضلاً عن مناطق في قضاء قولهجو وناحية جلولاء في ديالى التي تمتاز بكثافة بساتينها وانتشار المسطحات المائية التي يستغلها عناصر التنظيم في التخفي. 

وفي وقت لاحق من هذا الشهر، شكّلت الحكومة الفدرالية في العراق، وحكومة إقليم كوردستان، شراكة أمنية لدفع خطر عودة تنظيم "داعش". بعد أن هددت موجة هجمات داعش الأخيرة بإخلاء قرية اللهيبان من سكانها ذات الأغلبية الكردية.

وللمرة الأولى منذ 2014، أنشأت القوات العراقية والبشمركة مراكز تنسيق مشتركة حول المنطقة لمراقبة الثغرات بشكل أفضل. وقال رئيس عمليات البشمركة الكردية في المنطقة، نقيب حجر إن "داعش استغل الفرصة في السابق، لكن نحن ننسق، وتنسيقنا يبدأ من هنا، في هذه القرية".

وأعلنت خلية الإعلام الأمني العراقية حينها عن انطلاق عملية أمنية مشتركة بين القوات العراقية والبيشمركة لملاحقة عناصر "داعش" في كركوك وديالى.  وقالت بأن العملية تهدف تجفيف منابع الإرهاب وملاحقة عناصر عصابات داعش الإرهابية وتطهير الأراضي، انطلقت عملية أمنية مشتركة شرقي محافظة كركوك، وقضاء خانقين وكفري بمحافظة ديالى.

"عرائس" داعش.. وسيلة التنظيم للبقاء

 مع اندحار التنظيم من معظم أراضي "خلافته" المزعومة في سوريا والعراق، ومقتل وأسر العديد من مقاتليه. ومع هروب عدد من عناصره وتخفيهم في أماكن متفرقة بين البلدين، ظهر تحدٍ جديد يتمثل في كيفية تعامل المجتمع الدولي مع النساء اللاتي تركهن الإرهابيون وراءه.

تعدّ نساء "داعش" أحد أبرز العناصر التي يعتمد عليها التنظيم خلال مراحل ضعفه، فخلال فترة نشاطه الأخيرة من أجل إعادة تجميع صفوفه، وتنفيذ حالات هروب من السجون، والتخطيط لهجمات متطورة، وتهريب أعضائه عبر الحدود. تبين أن الفضل الأساسي لذلك، وبحسب تقارير استخباراتية، يعود لمجموعات من النساء.

يسعى التنظيم منذ نشأته على استخدام النساء ليس فقط لأغراضه الشخصية، وإنما أيضاً في الهجمات إضافة إلى الدعم. وقامت النساء العاملات في التنظيم بدور جواسيس ومراسلين. وتم تدريب العديد منهن على استخدام المتفجرات، والعمل قناصات أو مقاتلات أو انتحاريات. الأمر الذي يدل على رغبة التنظيم باستغلال النساء لتقديم كافة أشكال الدعم لبقائه.

اقرأ أيضاً: تحرك خلايا داعش ينتقل إلى شمال سوريا.. في البصيرة

في عام 2014 أنشأ تنظيم "داعش" أول كتيبة نسائية مسلحة تحت مسمى "لواء الخنساء" ضمت في صفوفه ألف امرأة وشاركت في أكثر من 200 عملية إرهابية وقامت بأعمال شرطية داخل الخلافة وتم ترقيتها. أيديولوجية داعش في مجتمعاتهن: كما يتضح من وسائل التواصل الاجتماعي، من الممكن أن تكون بعض هؤلاء النساء داخل مخيم الهول، ويواصلن دورهن في دعم داعش.

إضافة إلى ذلك بدأت تنشط مجموعات من النساء اللواتي يدينون الولاء المطلق للتنظيم المتطرف في مخيمات اللاجئين والنازحين المختلطة في سوريا.  وبدأن بالتوسع نتيجة لنشوء جيل جديد من المتطرفات اللاتي يعشن هناك. واستغل داعش الظروف السيئة داخل المخيمات لأهداف جمع التمويل والتجنيد بذريعة تحسين ظروف المعيشة.

وفي مخيم الهول، فإن "عرائس داعش"  في طليعة من يقدمون التفسير المتطرف للدين الإسلامي. ويترأس السجن في المخيم امرأة "أمير" تعمل على تنظيم أمور الحياة اليومية، بما فيها قوانين التعامل مع الملابس، والعقوبات. وفي عام 2021 كان هناك نحو 47 حالة قتل داخل المخيم لها علاقة بتنظيم داعش. 

في الوقت الذي تقول فيه المديرة التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة ميشيل كونينكس، بأنهن ضحايا وجناة في آن واحد. أمّا آن سبيكهارد والتي تدير المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف،  فتقول بأن العديد من النساء تخلوا عن التنظيم، لكنهن يعشن في خوف دائم من الانتقام.

لتعود وتسأل هل يجب أن يواجهن نفس عواقب أزواجهن أم أن يغفر لهن، والأهم من ذلك، ما مدى صعوبة الترحيب بهؤلاء النساء وإعادة دمجهن في مجتمعاتهن. وباتت هذه الأسئلة أكثر إلحاحاً مع تواتر التقارير الاستخباراتية التي تحذر من أن التنظيم الإرهابي يعمل على استعادة سطوته بواسطة النساء.

وتجد الحكومات نفسها وفق ذلك أمام معادلتين: إما القبول باستعادة نساء داعش وإعادة دمجهن بعد تلقيهن برامج خاصة لإعادة التأهيل، وإما رفض عودتهن وتركهن في المخيمات التي يحتجزن فيها وبالتالي السماح للتنظيم بالتعويل عليهن مجدداً في نشر أيديولوجيته المتطرفة واستقطاب عناصر جديدة.

"أشبال الخلافة" .. قنابل موقوتة وأمل داعش بالبقاء

يعمل تنظيم "داعش" على إعادة  بناء جيشه وتنظيم نفسه من خلال تجنيد المزيد من الأطفال والمراهقين، ويسعى لتهريب الكثير منهم من المخيمات التي يعيشون فيها حالياً. ويوجد أعداد لا بأس بها تتشرب وتتعلم أفكار (طائفة الموت) التي تعتمد على القتل والتنكيل لكل أفكار مخالفة. 

وكشفت معلومات استخباراتية عسكرية أمريكية، والتي كانت جزءً من تقرير أصدره المفتش العام بوزارة الدفاع الأمريكية بشأن العمليات الأمريكية وحلفائها في سوريا والعراق.  بأن تنظيم "داعش" يحتفظ بنفوذ كبير في العديد من المخيمات، فضلاً عن حرية التنقل، مما يسمح له باستهداف العناصر "الأكثر قابلية" للتجنيد.

سوريا.. مخيم الهول/ أرشيفية

وجاء في التقرير أن "داعش أعطى الأولوية لتهريب الأولاد من هذه المعسكرات إلى مواقع التدريب في الصحراء السورية". كما حذر المسؤولون العسكريون الأمريكيون من أن مخيم الهول للنازحين، على وجه الخصوص، كان بؤرة لتجنيد تنظيم الدولة الإسلامية والتطرف.

اقرأ أيضاً: قوى الأمن الداخلي تداهم "مخيم الهول" وتعثر على أسلحة

وقال قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينيث ماكنزي، في أبريل الماضي بأن الوضع في مخيم الهول والمعسكرات الأخرى يشكل مصدر قلق رئيسي. وأضاف: "ما لم نجد طريقة لسحب هؤلاء الأطفال من هذه المعسكرات ... ونجد طريقة لإعادة دمجهم في المجتمع المدني والقضاء على التطرف ، فإننا نعطي أنفسنا مشكلة عسكرية كبيرة للغاية بعد 10 سنوات".

في مخيم الهول في شمال شرق سوريا، يقضي الأطفال أيامهم وهم يتجولون في الطرق الترابية ويلعبون بالسيوف الوهمية والرايات السوداء تقليداً لمسلحي تنظيم الدولة الإسلامية. قليل من يستطيع القراءة أو الكتابة. بالنسبة للبعض، التعليم الوحيد هو من الأمهات اللائي يقدمن لهم دعاية لداعش.

مخيم الهول يحتضن حوالي 27000 طفل، معظمهم لم يبلغوا سن المراهقة، فهم يقضون طفولتهم في مأزق من ظروف بائسة مع عدم وجود مدارس، ولا مكان للعب أو التطوير، ويبدو أنه لا يوجد اهتمام دولي بحل وضعهم.

خلال حكمه التي استمرت قرابة خمس سنوات على جزء كبير من سوريا والعراق، أولى التنظيم أهمية كبيرة لتلقين الأطفال تفسيره الوحشي للشريعة الإسلامية، بهدف ترسيخ "خلافته". فقد درب الأطفال كمقاتلين، وعلمهم كيفية القيام بقطع الرؤوس باستخدام الدمى، بل وجعلهم يقومون بقتل الأسرى في مقاطع فيديو دعائية.

إعداد وتحرير: عبير صارم

ليفانت نيوز_ خاص
 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!